الجمعة، 14 يونيو 2013

جنى الحمام 2

- "يا لطيف".. صاح ياسر مجددا .. هذه المرة وكأنه يصرخ بلسان حالنا جميعا، فالرعب أخذ منا كل مأخذ. وسادت لحظات من الصمت والترقب قبل أن يتابع زكي قائلا :
- "زوجة خالي كاد أن يغشى عليها حين سمعت ما قالته أبنتها الصغيرة، وأقسمت بأنها لن تبقى في ذلك المنزل المرعب دقيقة واحدة. والحقيقة هي أن خالي أيضا كان يشعر بخوف شديد مما يجري بالرغم من تظاهره بالتماسك والشجاعة أمام زوجته. لكن الكيل طفح في ذلك المساء، ولم يعد في قوس الصبر منزع، فجمع خالي وزوجته ما خف حمله من ثياب وغادرا المنزل على عجل مع أطفالهم، ولم يعد خالي إلى منزل الرعب ذاك مرة أخرى إلا من أجل جمع أثاثه وأغراضه".
- "يالها من قصة" .. قال مهند وهو يرمقنا بنظرة فاحصة ثم أردف قائلا : "أظن بأن الجني قد أعجب بزوجة خالك وعشقها، فهي كما تقول امرأة بارعة الجمال، وقد أحتال لنفسه بالتصور في هيئة خالك .. ولولا بنت خالك الصغيرة لما اكتشفوا أمره أبدا، فالأطفال يستطيعون رؤية ما لا نراه .. لأنهم أبرياء أنقياء".
- "جن يعشق البشر! .. هذا لا يعقل" .. قلت أنا مدهوشا.
- "نعم يحدث ذلك كثيرا .. فرجال الجن قد يعجبون بنساء الأنس .. ونساء الجن قد يعشقن رجال الأنس" .. قال مهند وأيده ياسر قائلا :
- "هذا صحيح .. وقد حدث شيء من هذا القبيل لإحدى قريباتي الجامعيات .. ففي مرة كانت تغتسل في الحمام، وكانت تقف تحت دش الماء وهي مغمضة العينين حين أحست فجأة بشعور غريب وإحساس لا يقاوم لكي تفتح عينيها .. ففتحتها لتجد أمامها قزم بشع ذو رأس ضخم، كان وجهه داكن ومخيف، وعينان حمراوان كأنهما شعلتا نار .. ومن هول الصدمة والفزع أغشي على قريبتي تلك على الفور، وحين استعادت وعيها كان القزم قد اختفى .. ومن حينها بدأ أهلها يلحظون بعض التغيرات الطارئة على تصرفاتها .. فأصبحت كثيرة الشرود ولا تتحدث كثيرا .. وصارت تتضايق بشدة عند سماع تلاوة القرآن .. وتستحم أكثر من مرة في نفس اليوم .. فشك أهلها في إصابتها بالمس الشيطاني وعرضوها على احد المشايخ .. وقد أكد الشيخ شكوكهم فأخبرهم بأن جنيا قد عشق أبنتهم وتلبس جسدها .. ولم يتمكن الشيخ من إخراج الجني إلا بشق الأنفس، وبعدها عادت الفتاة إلى طبيعتها الأولى".
عيناه حمراوان كأنهما شعلتا نار ..
- "بالفعل مثل هذه الأمور تحدث كثيرا .. للنساء والرجال .. وتلك القصة شبيهة بما حدث لأحد أقربائي" .. قال زكي وهو يتأهب لسرد وقائع قصة جديدة .. لكني قاطعته صارخا :
- "كفى .. أرحمونا .. لا نريد سماع المزيد" .. قلتها بعصبية واضحة ثم قمت تاركا أصدقائي حتى من دون أن أودعهم، وعدت إلى منزلي وأنا أشعر بالخوف يهز كياني هزا، ولا أخفيكم بأني لم أستطع النوم بسهولة تلك الليلة، ولازمني الخوف لعدة ليال ، فلم أكن أطيق البقاء وحيدا في حجرتي، وصار عندي نفور كبير من دخول الحمام، حتى أنتبه أهلي لذلك، وأصروا على أن أغتسل لكي لا أؤذي الآخرين برائحة جسدي، فاغتسلت مجبرا، وبأسرع ما أستطيع، وقد حرصت على أن لا أغمض عيني للحظة، ولم يطرف لي جفن حتى عندما كنت أشعر بحرقة الصابون .. فبعد هذه الحكايات التي سمعتها .. من يدري ماذا يخبأ لي الحمام ؟!.
* ملاحظة من الكاتب : أنا لم أرى جنيا في حياتي .. وليست لدي رغبة في رؤية أحدهم .. ولا أعلم يقينا مقدار صحة وحقيقة الحكايات التي أوردتها ضمن هذه القصة، فأنا كنت قد سمعتها فعلا من بعض أصدقائي الذين زعموا بأنها حقيقية .. وعليه فأن خيار تصديق أو تكذيب هذه القصص متروك لك بالكامل عزيزي القارئ.
النهايه

جنى الحمام


لماذا يسكن الجن في الحمامات ؟! ..
لم يكن في الشارع سوانا في ذلك المساء البارد، كنا أربعة أصدقاء مجتمعين حول موقد نار صغير وقوده بقايا الأوراق وسعف النخيل، تظللنا شرفة كبيرة مطلة على الشارع. كان الهواء ثقيلا مشبعا بالرطوبة والسماء ملبدة بغيوم سوداء كثيفة تجود علينا بين الحين والآخر بزخات مطر قصيرة يصحبها برق ورعد.
كان الشارع خاليا تماما ..
ماذا كنا نفعل في الشارع في تلك الساعة .. لا أعلم ؟ .. نزق شباب .. وملل .. ورغبة في تدخين سيجارة بعيدا عن أنظار الأهل. ففي ذلك الوقت، قبل أكثر من عقدين من الزمان، لم تكن خيارات الترفيه كثيرة ومنوعة كما هي اليوم، لم يكن هناك حاسوب ولا موبايل ولا قنوات أم بي سي الفضائية! .. كان الشارع هو الملاذ الأكثر شعبية لمعظم الأولاد والشباب.
ومن بين جميع الليالي التي قضيناها على رصيف ذلك الشارع، علقت تلك الليلة بذهني حتى يومنا هذا، ليس فقط لأنها باردة وموحشة ومخيفة.. وإنما أيضا بسبب طبيعة الحديث الذي تطرقنا إليه في تلك الجلسة .. حديث يعكس معتقدات شريحة واسعة من الناس حول الجن والبيوت المسكونة.
* * *
- "أغلب الحمامات مسكونة بالجن" .. همس صديقي ياسر وهو يتلفت يمنة ويسرة كأن أحدا يراقبه ويرصد كلماته.
- "ولماذا الحمام ؟! " .. قلت متعجبا، فأنا لم أستوعب لماذا يختار الجني السكن في الحمام دونا عن بقية حجرات وأقسام المنزل المريحة.
- "لأن أسم الله لا يذكر في الحمام .. هذا ما تقوله جدتي" .. أجاب ياسر وهو يخفض صوته أكثر وقد اكتسى وجهه بنظرة جبانة لا تخطئها العين. وكنت أعجب كثيرا لحال صديقي هذا، فمن ناحية هو أشد المتحمسين لقصص الجن ، ومن ناحية أخرى هو أكثرنا خوفا وهلعا من تلك القصص! .. فتراه يرتجف رعبا وهو يقص علينا حكايات جدته التي لا تنضب أبدا.
- "نعم .. هذا صحيح" .. قال صديقنا الآخر، وأسمه مهند، مؤكدا كلام ياسر .. وأسترسل قائلا بثقة .. "في كل حمام يوجد جني .. بعضهم طيب .. والبعض الآخر شرير".
- " أنا لا أصدق ذلك .. هل لديك دليل على ما تقول ؟ " .. قلت محتدا وأنا أشعر بانزعاج شديد من هذا الحديث الذي يتسبب لي غالبا بكوابيس مرعبة ويجعلني أخاف النوم وحيدا في حجرتي . وكم وددت لو أتمكن من تغيير مجرى الحديث ، لكني لم أرد أن اظهر بمظهر الخائف الجبان أمام أصدقائي.
- "نعم .. لدي دليل" .. رد مهند بنبرة يشوبها شيء من التحدي ثم تابع قائلا .. "سأحدثكم عن قصة كنت شاهدا عليها .. فقد حدث قبل سنوات، في أحد فصول الشتاء الباردة، أن استيقظت والدتي مبكرا كعادتها لصلاة الفجر. فوالدتي امرأة متدينة وحريصة على أداء الفروض في مواقيتها منذ نعومة أظفارها . وهي تحتاط كثيرا لنظافة وطهارة المنزل .. وفيما هي تتوضأ سمعت والدتي صوت خرير الماء يتدفق في الحمام ، فانزعجت وحسبت بأن أحد أخوتي نسى الماء مفتوحا بعد اغتساله، وهمت بدخول الحمام لإغلاق الحنفية. لكنها تجمدت في مكانها ما أن فتحت النور داخل الحمام، ففي الداخل كانت هناك امرأة عجوز شعرها أبيض كالقطن ، ترتدي ثوبا أبيض طويل، وتمسك بيدها مكنسة، وكانت مشغولة بغسل الحمام بعناية كبيرة! .. ولأن أمي امرأة شديدة الإيمان ولا تخاف سوى الله فقد صرخت بتلك المرأة العجوز وسألتها عن سبب وجودها في حمامنا؟ .. فرفعت العجوز رأسها واستدارت نحو أمي، وأحست أمي ببرودة عجيبة تسري في جسدها ما أن التقت عيناها بعين العجوز، فرغم أن وجهها كان يوحي بالطيبة ويبعث على الاطمئنان، لكن عيناها كانتا مخيفتان جدا .. كانتا أشبه بعيون القطط ..وكانتا تلمعان وتتوهجان بشكل غريب ..".
وهنا سكت مهند ليستقرأ وقع كلامه علينا ، ولا أخفيكم بأن الخوف والفضول وسكون الليل من حولنا كان قد ألجم أفواهنا إلى درجة أنك لو ألقيت إبرة بيننا لسمعت صوت ارتطامها بالأرض بوضوح!. ويبدو بأن هذا المشهد قد راق لصديقنا مهند فأسترسل في صمته كأنه يود تعذيبنا أكثر حتى صاح به صديقنا ياسر أخيرا وهو يبتلع ريقه بصعوبة : "وماذا حدث بعد ذلك .. اخبرنا؟".
عجوز ترتدي ثوبا أبيض في حمامنا ! ..
فتنحنح مهند قليلا في جلسته كأنه يتهيأ لإلقاء خطاب، وقد سره تشوقنا لمعرفة بقية القصة، ثم تابع قائلا : "العجوز قالت لأمي بنبرة لطيفة : أرجوكِ اخبري أولادكِ أن لا يتبولوا في الحمام .. أنا أسكن هنا منذ سنين طويلة وأنا مرتاحة معكم لأنكِ امرأة مؤمنة وطاهرة .. لكن تبول أولادكِ في الحمام يؤذيني وقد يدفعني للرحيل .. وما أن أتمت العجوز كلامها حتى أنطفأ نور الحمام من تلقاء نفسه .. وحين فتحت والدتي النور مرة أخرى كانت العجوز قد اختفت تماما! .. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم سألتنا أمي حول ما إذا كان أحدنا قد تبول في الحمام فأعترف شقيقي الأصغر بأن دورة المياه كانت مشغولة فأضطر للتبول في الحمام .. ومنذ ذلك الحين تحرص أمي أشد الحرص على طهارة ونظافة الحمام لكي لا تؤذي ساكنيه".
- "هذه قصة غريبة حقا! " .. قلت أنا متحيرا.
- "لا ليست غريبة كما تظن ، فتلك العجوز من الجن الأخيار، ووجودها في البيت بركة .. وهناك لعلمك قصص أغرب بكثير من هذه القصة " .. قال صديقنا زكي ثم أستطرد بنبرة حزينة : "كما حدث مع خالي المسكين وعائلته ..".
- "وما قصة خالك ؟" .. تسأل ياسر بفضول.
فقال زكي : "قبل عدة سنوات .. أستأجر خالي منزلا قديما وسط البلدة وأنتقل للسكن هناك مع عائلته. كان المنزل بحالة سيئة، كان مهجورا لفترة طويلة .. وكان شرقي الطراز .. أي في وسطه باحة كبيرة تحيط بها الحجرات من كل جانب ويصعد منها سلم إلى الطابق الثاني. وكان الحمام مشتركا مع دورة المياه ويقعان أسفل السلم" ..
- "هذا خطأ كبير .. يجب أن لا يوضع الحمام إلى جانب دورة المياه" .. قال مهند مقاطعا.
- "وما الضير من ذلك ؟" .. تساءلت أنا.
- "لأن دورة المياه مكان النجاسات .. والحمام مكان يتعرى فيه الناس من ثيابهم .. واجتماع النجاسة مع العري يجذب الشياطين وقد يتسبب بالمس الشيطاني".
- "هراء " .. قلت أنا بشيء من الحدة وأردفت معترضا : "نحن لدينا دورة مياه وحمام مشتركة في شقتنا ولم يحدث لا مس شيطاني ولا هم يحزنون .. لماذا تضخمون الأمور ؟!".
- "أنا لم أقل بأنه سيحدث حتما .. قلت بأنه قد يتسبب بالمس الشيطاني .. أي أن احتمال حدوث ذلك يتزايد في حالة دورة المياه المشتركة مع الحمام" .. أجاب مهند بشيء من النرفزة وساد صمت ثقيل قطعه ياسر أخيرا قائلا : "دعونا من هذا الجدل .. أرجوك يا زكي .. أكمل قصة عمك رجاءا".
فأطرق زكي قليلا كأنه يحاول تذكر الأحداث ثم تابع قائلا : "لم تمض فترة قصيرة على سكن خالي وعائلته في ذلك المنزل حتى بدأت تقع أمور في غاية الغرابة .. فخالي وزوجته وأطفاله الصغار كانوا ينامون جميعا في حجرة كبيرة واسعة في الطابق الأرضي .. وفي إحدى الليالي استيقظ خالي مذعورا على صوت باب الغرفة وهو يفتح من تلقاء نفسه ووقع خطوات في الباحة .. فهرع خارجا ظنا منه بأن لصا قد تسور المنزل ليسرقه .. لكنه تفاجأ بخلو المكان تماما! .. فتش المنزل بأسره .. لم يكن هناك أحد! .. كان الأمر غريبا .. والأغرب من ذلك هو تكراره في الليالي اللاحقة .. واستفحاله بالتدريج  .. فأصبحت لأنوار تضاء في الغرفة من تلقاء نفسها .. والتلفزيون يعمل فجأة من دون أن يلمسه أحد .. وفي كثير من الأحيان كانوا يسمعون صوت شخص يتحدث ويضحك بصوت خافت .. كان الصوت يأتي من جهة الحمام ودورة المياه ..وكانت هذه الأمور تحدث غالبا في ساعة متأخرة من الليل ..".
- " أعوذ بالله .. ولهذا السبب أنا أكره البيوت القديمة" .. قال ياسر بصوت متهدج وقد شحب وجهه.
وتابع زكي قائلا : "أغرب ما في الأمر هو أن ابنة خالي الصغيرة .. وهي طفلة عمرها ثلاث سنوات ونصف .. كانت تخبر أمها ببراءة عن رؤيتها لشخص غريب يدخل ويخرج من جهة الحمام أسفل السلم .. قالت بأن جسده كان عاريا .. وقدمه شكلها عجيب .. كالحافر .. تشبه أقدام الماعز .. لكن خالي لم يصدق أقوال الطفلة وظن بأنها تتخيل تلك الأمور".
قدمه كأقدام الماعز ..
- "يا لطيف!" .. صاح ياسر مرعوبا وقد أنتفض جسده بالكامل على صوت الرعد الهادر فجأة، والغريب هو أننا لم نضحك عليه كما نفعل عادة في هذه المواقف. فنحن في الحقيقة لم نكن أقل منه رعبا وهلعا في تلك اللحظة.
أما زكي فقد انتشى للأثر الذي تركه حديثه في نفوسنا فقال بلهجة فيها الكثير من التيه والتمنع المصطنع : "هل تريدوني أن أكمل القصة أم لا ؟ .. أنا أحذركم .. فالقادم أكثر رعبا".
وكم وددت لو أنه يصمت ويرحمنا من هذا الرعب، لكن مهند سارع قائلا : "لا أرجوك أكمل القصة يا زكي".
فتابع زكي قائلا : "بعد فترة حدث شيء غير متوقع .. فخالي بدأ بالعودة إلى المنزل يوميا عند الظهيرة، ولم تكن من عاداته وطبائعه أن يترك العمل ليعود إلى المنزل في تلك الساعة من النهار، والعجيب هو أنه كان يغادر المنزل ثانية قبل عودة الأطفال من المدرسة بقليل. وقد لاحظت زوجة خالي تغيرا مدهشا في تصرفاته حين يعود مبكرا، فكان يصبح أكثر لطفا ورقة .. واستمر هذا الحال حتى تشاجر خالي مع زوجته في احد الأيام لسبب ما، وكانت زوجة خالي امرأة بارعة الجمال، وأثناء المشاجرة قالت لخالي : من يراك حين تعود في المساء لا يصدق بأنك نفس الشخص الذي يكون هنا عند الظهيرة! .. فتعجب خالي أشد العجب من قولها .. وأقسم بأنه لم يكن هنا ساعة الظهيرة وبأنه لم يعد يوما إلى المنزل قبل انتهاء عمله عند المساء .. فحلفت زوجته بأغلظ الأيمان بأنه كان يعود إلى المنزل يوميا عند الظهيرة ويغادر قبل عودة الأطفال من المدرسة .. وأشهدت على كلامها طفلتها الصغيرة .. فأيدت البنت أمها وقالت ببراءة كبيرة : نعم .. بابا كان يعود يوميا عند الظهيرة .. ثم أردفت قائلة بسذاجة : لكن قدم بابا عند الظهيرة لا تشبه قدمه الآن .. لأن قدمه تكون شبيهة بقدم الماعز!!".
مستمره
كام واحد بيحب قصص الرعب كمان شويه انا هنزل قصه مرعبه جدا اللى يخاف ميقرهاش ^_^
وفي عام 1883 حدثت أول إصابة بالمرض داخل عائلة جورج بروان إذ أخذت زوجته ماري تسعل بشدة و كان سعالها مصحوبا بالدم و هذه هي أول أعراض مرض السل الذي سرعان ما يتطور إلى حمى و الآم في الصدر و صعوبة في التنفس إضافة إلى الهزال و الوهن. و تختلف مقاومة الناس للمرض من شخص إلى آخر فالبعض يموتون خلال عدة أشهر فقط فيما قد تستمر معاناة البعض الآخر إلى عدة سنوات و قد كانت ماري براون من النوع الأخير إذ قاومت المرض لقرابة الثلاث سنوات وماتت عام 1886 , و خلال سنوات مرضها الطويلة نقلت الأم ماري البكتيريا المسببة للمرض إلى بقية أفراد العائلة فأصيبت الابنة الكبرى و اسمها ماري أيضا بالمرض و ماتت بعد عامين من المعاناة في عام 1888. ورغم خسارته الفادحة إلا إن المصيبة الأشد وقعا على الأب جورج براون كانت إصابة ابنه الوحيد أدوين بالمرض عام 1890 لذلك بذل الغالي و النفيس لأرسله إلى إحدى المصحات خارج الولاية على أمل أن يشفيه المناخ المعتدل و الطعام الجيد. ثم لم تمض مدة طويلة حتى أصيبت ابنته ميرسي ذات التسعة عشر ربيعا بالمرض أيضا , وعلى العكس من أمها و شقيقتها فأن ميرسي سرعان ما فارقت الحياة خلال أشهر قليلة وذلك في شتاء عام 1892 , و لأن الصقيع و البرد كان قد أدى إلى تجمد التربة في ولاية  رود ايسلند لذلك أصبح الحفر فيها أمرا غاية في الصعوبة و لهذا السبب فقد تم دفن تابوت ميرسي براون موقتا داخل قبو الكنيسة بانتظار حلول الصيف لكي تدفن في المقبرة بشكل دائم.
في أواخر عام 1892 عاد الابن أدوين إلى منزل والده. لقد عاد ليموت في بيت العائلة إذ فشل العلاج في شفائه و اخبره الأطباء أن أيامه في الدنيا معدودة. واخذ جيران جورج براون و أصدقائه يتأسفون على ما الم به من مصائب كما اخذوا يتهامسون سرا عن احتمال وجود مصاص دماء في عائلته إذ كان الناس في ذلك الزمان يعتقدون أن الميت قد يتحول أحيانا إلى مصاص دماء ويقوم بالتردد على المنزل الذي كان يعيش فيه و يبدأ بمص الحياة من أجساد أفراد عائلته الأصحاء واحدا بعد الأخر فيصيبهم بالهزال و المرض , و مما عزز هذا الاعتقاد لدى الناس هو المدة الطويلة التي يستغرقها مرض السل في قتل ضحاياه و ما يصيبهم خلال هذه المدة من الهزال و الضعف و الشحوب كأنما هناك شيء ما يستل الحياة من أجسادهم بالتدريج. وقد ازدادت قناعة جورج بروان بقصة مصاص الدماء بعد ان استيقظ ابنه أدوين مرعوبا في إحدى الليالي و اخبره بأنه شاهد في حلمه شبح أخته الميتة ميرسي وقد أحاطت بجسده و أخذت تمتص روحه , وبعد هذه الحادثة صمم جورج على القيام بنبش قبر زوجته و ابنتيه لمعرفة أيهم تحولت إلى مصاص دماء.
في احد أيام الباردة و الغائمة من شهر آذار / مارس 1892 توجه جورج براون بمعية بعض أصدقائه و جيرانه إلى المقبرة للتخلص من لعنة مصاص الدماء أملا في إنقاذ حياة ابنه أدوين , في البدء نبشوا قبر الأم ماري , و لأن قرابة العشر سنوات كانت قد مضت على موتها لذلك فأنها كانت قد تحولت إلى مجرد عظام , ثم نبشوا قبر البنت الكبرى ليجدوا أن جثتها هي الأخرى قد تفسخت تماما , وأخيرا نبشوا القبر المؤقت للابنة ميرسي التي كان قد مضى على موتها شهران فقط ليفاجئوا بأن جثتها كانت سليمة تماما كأنها ماتت توا و هو الأمر الذي أثار دهشتهم كما لاحظوا بقعا من الدم كانت تغطي فمها لذلك أيقنوا بأنها ضالتهم التي كانوا يبحثون عنها و أنها  تحولت حقا إلى مصاصة دماء. وحسب معتقدات ذلك الزمان فأنه للقضاء على مصاص الدماء كان يجب إخراج قلبه و إحراقه , و لأن جورج لم يجد القوة و الجرأة على فعل ذلك بجثة ابنته لذلك قام احد أصدقائه بشق صدرها ثم انتزع قلبها بيده , و لشدة دهشة الجميع فقد انفجر الدم من عروق القلب و شرايينه و تدفق بغزارة كأنما كان لايزال ينبض بالحياة وهو الأمر الذي زاد من قناعتهم في أن ميرسي هي مصاصة دماء حقيقية فقاموا بانتزاع رئتها أيضا و وضعوها مع القلب على صخرة جرداء ثم أشعلوا النار فيهما حتى تحولا إلى رماد , و في المساء عاد جورج براون إلى منزله حاملا معه رماد قلب ابنته حيث قام بمزجه مع الماء و سقاه لأبنه المريض أدوين لأن الاعتقاد الذي كان سائدا آنذاك هو أن شرب مزيج رماد قلب مصاص الدماء مع الماء يمكن أن يشفي ضحاياه , لكن لسوء حظ الأب جورج فأن هذا العلاج السحري لم ينفع مع أدوين الذي لم يلبث أن فارق الحياة بعد شهرين فقط. لكن رغم وفاة أدوين فأن جيران جورج براون و رفاقه لم يعترفوا بخطأ ما قاموا به من تدنيس لجثة ميرسي بل على العكس زادت قناعتهم بصحة ما فعلوه واستدلوا على ذلك في أن أي شخص آخر من عائلة جورج براون لم يصاب بمرض السل بعد ذلك. و منذ ذلك الحين و لأكثر من قرن من الزمان اشتهرت قصة ميرسي براون خاصة بعد أن أضيفت إلى قصتها الكثير من الأكاذيب والخرافات فأصبح قبرها مزارا للعديد من عاشقي قصص مصاصي الدماء و كانوا يضعون الزهور السوداء عند قبرها , كما قام احدهم عام 1992 بسرقة شاهد القبر.
رغم إيمان بعض الناس بأن ميرسي براون كانت مصاصة دماء حقيقية إلا إن الأطباء لهم رأي آخر في القضية , فهؤلاء لا يؤمنون قطعا بوجود مصاصي الدماء و يدحضون جميع القصص التي تتحدث عنهم , وبالنسبة إلى قصة ميرسي براون فهم يعتقدون إن السبب الحقيقي في عدم ظهور أي من علامات التحلل على جثتها يعود بالأساس إلى البرد القارص لشتاء ولاية رود ايسلند  و الذي حول قبو الكنيسة التي دفنت به الجثة مؤقتا إلى ما يشبه الثلاجة مما ساهم بشكل كبير في حفظها بصورة جيدة و سليمة رغم مرور شهرين على وفاتها , أما سبب وجود بقع الدم على الفم فيعزوه الأطباء إلى آثار مرض السل فمن معروف أن مرضى السل يعانون من امتلاء رئاتهم بالدم و لذلك هم ينفثوه إلى الخارج أثناء سعالهم فتتلوث به شفاههم و أطراف أفواههم.
أما علماء الاجتماع فيعزون إيمان الناس آنذاك بمصاصي الدماء إلى كونه التفسير الوحيد المقنع للأمراض و الأوبئة التي كانت تصيبهم , فهؤلاء الذين كانوا يفقدون أعزائهم واحدا بعد الأخر من دون أن يجدوا تفسيرا لهذا الموت الداهم و من دون أن يتمكنوا من عمل أي شيء لمساعدتهم كانوا بحاجة إلى شيء ما يضعون اللوم عليه فيما أصابهم  فاخترعوا لهذا الغرض أنواع الأرواح الشيطانية و المخلوقات الشريرة. أن الأمر برمته كان أشبه بهستيريا جماعية تصيب الناس خاصة بعد حدوث الكوارث و الأزمات (في العصر الحديث يتجه الناس إلى الدين للتنفيس عن احباطاتهم) , ففي أوربا مثلا قضت المجاعة الكبرى و الطاعون الأسود على ثلثي سكان القارة العجوز في القرن الرابع عشر فكانت هناك عوائل أبيدت عن بكرة أبيها و أخرى فقدت معظم أفرادها و كرد فعل على هذه النوائب و الخسائر الفادحة التي ألمت بالمجتمع فأن الناس بدءوا يبحثون عن شيء يحملونه وزر مصائبهم و ينفسون به عن غضبهم و خوفهم و بالطبع فقد قد وجدوا ضالتهم في حلقات المجتمع الأضعف و التي لا تتمتع بالحماية فهاجموا اليهود أولا وطاردوهم في كل مكان و أشبعوهم قتلا و حرقا تحت تهمة الحقد على العالم المسيحي و تدبير المكائد لتدميره , ثم اخذوا بعد ذلك يطاردون النساء و يتهمونهن بممارسة السحر فظهرت محاكم التفتيش سيئة الصيت التي راح ضحيتها قرابة المائة ألف امرأة خلال العصور الوسطى , و هكذا و بالتدريج أخذت أساطير و خرافات مصاصي الدماء و المستذئبين تنتشر في تلك المجتمعات الموبوءة بالجهل و الاستبداد و مختلف الإمراض و العاهات النفسية و الجسدية.
إضافة إلى كل ما تقدم فأن الباحثين يعتقدون أن مرض السل بالذات لعب دورا كبيرا في انتشار خرافة مصاصي الدماء و رواجها , فهذا المرض يستنزف ضحاياه بالتدريج فيصيبهم بالهزال و تغور أعينهم في محاجرها و تشحب جلودهم حتى يصبحون حساسين تجاه الضوء و غالبا ما تكون أفواههم مغطاة بالدماء التي ينفثوها من الرئتين أثناء السعال , و هذه الأعراض المصاحبة للمرض شبيهة إلى درجة كبيرة بأوصاف شخصية مصاص الدماء كما تخيلها الناس في العصور الوسطى.
النهايه

ميرسي براون .. أشهر مصاصة دماء في أمريكا‏

غامضون يتمتعون بقوى خارقة و يتحركون بخفة و رشاقة تحت جنح الظلام للبحث عن ضحاياهم. يحبون الدماء ‏و الجنس و لديهم أحيانا حس الدعابة , هذه هي صورة مصاصي الدماء كما تصورها أفلام الرعب الحديثة حتى ‏غدا مصاص الدماء لا يخيف أحدا بل على العكس تحول إلى شخصية محببة تتجسد دائما في صورة شاب غامض ‏وسيم أو في لباس حسناء رشيقة تستخدم مفاتن جسدها كطعم لاصطياد ضحاياها. لكن هذه الصورة النمطية التي ‏رسمتها السينما الحديثة لمصاصي الدماء تختلف كليا عن الصورة التي كانت مرسومة في مخيلة الناس البسطاء ‏خلال القرون الخوالي حيث راجت آنذاك قصص الموتى الإحياء الذين يمتصون أرواح ضحاياهم خلال الليل ثم ‏يعودون إلى قبورهم قبل بزوغ الشمس , و قد بذل الأهالي الخائفون , كما في قصتنا هذه , كل ما في وسعهم ‏للتخلص من تلك الأرواح الشريرة.‏

عندما نبشوا قبرها وجدوا جثتها سليمة تماما كأنها ماتت توا

الى اليسار شاهد قبر ميرسي براون الحقيقي و الى اليمين صورة متخيلة لمصاصة الدماء
هناك الكثير من المخلوقات المرعبة في فلكلور الشعوب , بعضها أصبح نسيا منسيا بمرور الزمن و تنامي وعي الناس و ثقافتهم فيما نال بعضها الأخر قسطا كبيرا من الشهرة بفضل ظهور المطبوعات الحديثة و بزوغ عصر السينما فأصبحت هذه المخلوقات جزءا لا يتجزأ من ثقافة الرعب العالمية. وقد تكون شخصية مصاص الدماء هي إحدى أكثر الشخصيات المرعبة شهرة في هذا المجال , فهي شخصية امتزج فيها الخوف بالغموض و الإثارة بالإغراء فأصبحت محببة إلى القلوب و صار لها عشاقها و مريدوها في جميع أنحاء العالم , بل أصبح هناك اعتقاد لدى بعض الناس بأن هناك مصاصو دماء حقيقيين وأنهم حقا يعيشون متخفين بيننا يتحينون الفرص للانقضاض على طرائدهم البشرية. و ربما تكون أنت أيضا عزيزي القارئ قد تساءلت مع نفسك حول حقيقة شخصية مصاص الدماء , أين نشأت ؟ وهل هناك سند تاريخي أو قصص حقيقية تؤيد وجودها ؟.
أن شخصية مصاص الدماء (Vampire ) موجودة في فلكلور و تراث معظم الشعوب الأوربية تحت مسميات مختلفة إلا ان منطقة البلقان و شرق أوربا تعتبر من أكثر الأمكنة التي تجذر إيمان الناس فيها بوجود مصاصي الدماء , و ربما يكون لتاريخ المنطقة الدموي الحافل بالمجازر والأوبئة  و الجهل و الفقر المدقع الدور الأكبر في توفير البيئة الأكثر ملائمة لنمو و انتشار الخرافات عن هذه المخلوقات المرعبة التي غالبا ما كان يلقى على عاتقها مسؤولية الإحداث المؤلمة التي كانت تصيب الناس هناك و ما أكثرها. و من هذه البيئة البائسة أيضا استقى الروائي الايرلندي برام ستوكر روايته الشهيرة "دراكولا" التي تعتبر الأساس و المنبع الذي بنيت عليه شخصية مصاص الدماء الحديثة والتي غالبا ما نشاهدها على الشاشة , فهذه الرواية تعتبر مزيجا بين سيرة عدة شخصيات تاريخية حقيقية و بين مجموعة من الخرافات المحلية التي تداولها الناس لقرون , فالكونت فلاد الرابع الملقب بدراكولا هو شخصية حقيقية عاشت في رومانيا واشتهرت بدمويتها و قسوتها المنقطعة النظير , و في بلغاريا المجاورة اشتهرت الكونتيسة إليزابيث باثوريالتي قيل أنها كانت تقتل الفتيات الشابات و تستحم في دمائهن , كما كانت هناك مجموعة كبيرة من الأساطير حول العالم تتحدث عن الموتى الذين تحولوا إلى مصاصي دماء فاخذوا يهاجمون الناس و يقتلوهم. و إحدى هذه القصص الشهيرة هي قصة الشابة الأمريكية ميرسي براون التي يقال ان قصاصة من الجريدة التي نشرت قصتها وجدت ضمن أورق الروائي برام ستوكر بعد موته , أي أنها كانت إحدى المصادر التي استلهم منها تأليف روايته الشهيرة.
ميرسي براون (Mercy Brown ) أو لانا كما كان أصدقائها ينادونها , هي فتاة جميلة ولدت عام 1873 , كان والدها مزارعا و مربيا للخيول اسمه جورج براون وكانت عائلته تتكون من زوجته ماري إضافة إلى خمس بنات و صبي واحد عاشوا جميعا في منزل ريفي متواضع يقع ضمن مزرعتهم الصغيرة الواقعة خارج مدينة ايكستر في ولاية رود ايسلند الأمريكية. كانت العائلة مثلها مثل اغلب عوائل الريف تعيش حياة بسيطة و هادئة لا يعكر صفوها شيء و لا يكسر رتابتها سوى الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد والالتقاء ببقية الجيران.
لكن هؤلاء المزارعين البسطاء لم يكونوا يعلمون بما يخبئه لهم القدر من مصائب ستحيل قادم أيامهم إلى أوقات كالحة السواد , ففي ذاك الزمان أي في أواخر القرن التاسع عشر , كان مرض السل الذي لم يكن له أي علاج آنذاك ينتشر بشكل وبائي في إنحاء واسعة من الولايات المتحدة حاصدا في طريقه آلاف الأرواح.
مستمره

احفاد دراكولا بلده مصاصين الدماه ادهشت العالم 2

1 - الخازوق هو وتد أو عمود خشبي طويل ومدبب الرأس يقومون بإدخاله في شرج المحكوم عليه بالموت ثم يرفعوه ويثبتوه بالأرض بشكل عمودي بحيث يبدو المحكوم من بعيد كأنه جالس أو طائر في الهواء ويترك على هذه الحالة ليدخل الرأس المدبب في جسمه بالتدريج فيكون موته بطيئا وقد يستمر لعدة أيام وأحيانا يخرج الخازوق من فمه، ويقال أنهم كانوا يطعمون المحكوم أحيانا بأكلات مسهلة للبطن ليزيدون من عذابه لأنه لا يستطيع التغوط.
أكثر من استعمل هذه الطريقة هم الأتراك العثمانيين ومنها أتت كلمة الخازوق العربية، وقد تعلم دراكولا هذه الطريقة حين كان أسيرا في البلاط العثماني لعدة سنوات ثم أسرف في استعمالها مع أعداءه و مع أسرى الحرب حين عاد إلى رومانيا حتى أن الناس أطلقوا عليه اسم فلاد المخوزق، ويقال انه قام في إحدى المناسبات بخوزقة عشرين ألف شخص من الرجال والنساء والأطفال في يوم واحد.
النهايه

أحفاد دراكولا .. بلدة مصاصين دماء أدهشت العالم

قد يبدو عنوان هذه المقالة مثيرا بعض الشيء، وقد تظن عزيزي القارئ انه لمجرد لفت الانتباه وجذب القراء، ‏لكن اسمح لي بأن أخيب ظنك لأن قصتنا لهذا اليوم كتبت عنها العديد من الصحف العالمية الشهيرة والمرموقة، ‏ولأن وقائعها حدثت في قلب أوربا قبل عدة سنوات فقط فأثارت دهشة العالم ليس فقط لغرابتها ولكن لحقيقة وجود ‏أناس في القرن الحادي والعشرين لازالوا يؤمنون بقوة بمصاصي الدماء ويقومون بطقوس مخيفة تحيطها السرية ‏التامة والتكتم الشديد من اجل محاربتهم والقضاء عليهم. لكن ما كشف المستور وفضح المخفي هو اتصال تلفوني ‏أجرته إحدى السيدات مع الشرطة حول انتهاك حرمة احد القبور، اتصال غريب تحولت على أثره بلدة مصاصي ‏الدماء المنسية بين ليلة وضحاها إلى حديث الناس وقبلة الصحافة ووسائل الإعلام.‏
بلدة مصاصي دماء في القرن الواحد والعشرين!!
حين كتب برام ستوكر روايته المرعبة حول الكونت دراكولا قبل أكثر من قرن من الزمان ظن العديد من الناس أنها مجرد رواية خرافية مستوحاة عن حياة الأمير الدموي فلاد تيبس الذي اشتهر في العصور الوسطى بأنه شيد حول قلعته غابة من الخوازيق (1) التي يجلس فوق كل منها ضحية بشرية ليموت ببطء. لكن ما لا يعلمه معظم الناس أن قصص مصاصي الدماء في رومانيا حيث عاش وحكم دراكولا ليست مجرد خرافات تقصها العجائز لتخويف أحفادهن في ليالي الشتاء الباردة، لكنها اعتقاد راسخ لدى الكثير من الرومانيين الذين يؤمنون بأن مصاص الدماء مخلوق حقيقي وموجود فعلا.
قبر بيتري توما .. "مصاص الدماء!"
قبر بيتري توما .. "مصاص الدماء!"
في عام 2004 تلقت الشرطة الرومانية اتصالا غريبا من سيدة تشتكي بأن هنالك عدة أشخاص انتهكوا حرمة قبر والدها ومثلوا بجثته، على الفور بدئت الشرطة بأجراء تحقيقاتها في البلدة التي أتت منها الشكوى، وهي بلدة صغيرة تدعى مارتنو دي سيوز وتقع في منطقة نائية إلى الجنوب الغربي من رومانيا. وسرعان ما تم اعتقال ستة أشخاص اعترفوا صراحة وبدون مواربة بأنهم انتهكوا حرمة قبر السيد بيتري توما لأنه تحول بعد موته إلى مصاص دماء قام بمهاجمتهم أثناء الليل عندما كانوا نائمين وامتص دمائهم حتى أصابهم الإعياء والمرض وكادوا أن يفرقوا الحياة.
سرعان ما انتشر الخبر في الصحف وتقاطر الصحفيون على البلدة المغمورة. لم تكن القصة جديدة على الرومانيين الذين عرفوا لقرون طويلة ممارسة طقوس معينة من اجل التخلص من شر مصاصي الدماء، لكن الجديد في القضية هو أن معظم الناس، خصوصا في المدن والمناطق المتحضرة، كانوا يظنون أن طقوسا كهذه قد اندثرت منذ زمن بعيد ولم يعد أحد يمارسها، كما أنها المرة الأولى التي شهدت تدخل الشرطة في قضية كهذه. وقد كشفت التحقيقات أن بعض أفراد عائلة السيد توما كانوا من ضمن الأشخاص الذين شاركوا في الطقوس وان ابنته التي أبلغت الشرطة عن الحادثة والتي تعيش مع زوجها خارج البلدة هي الوحيدة التي لم تكن تعلم شيئا عن القضية وإنها اكتشفت الأمر لاحقا. السيد بتري توما كان عجوزا في السادسة والسبعين توفى قبل أيام قليلة من أعياد ميلاد عام 2003، كان معلما ورب عائلة كبيرة يحترمه الجميع في البلدة، ولم تظهر عليه أثناء حياته أي من العلامات التي يعتقد الناس في رومانيا بأنها تدل على أن الشخص سيصبح مصاص دماء بعد موته، مثل أن تسقط أسنانه العليا قبل السفلى في طفولته أو أن تثب قطة من فوقه أو أن يحلق خفاش فوق قبره فور دفنه .. الخ من الأمور التي يتشاءم منها الناس. لكن لم تمض سوى فترة قصيرة على دفن السيد توما حتى أصيبت عائلة ابنة أخته مايرلا بمرض غامض لم يعرف الأطباء سببه ولا اهتدوا لعلاجه، لكن الكوابيس التي أخذت تنتاب أفراد العائلة ليلا كشفت لهم سبب اعتلالهم، وأكد ذلك احد الجيران الذي اخبرهم بأنه شاهد شبح بتري توما وهو يغادر منزلهم قبل بزوغ الفجر بقليل واقسم هذا الجار على أنه شاهد سربا من الغربان حلق فوق رأسه كنذير شؤم.
"لقد امتص الحياة من أجسادنا لكي يعيش هو" قالت مايرلا لأحد الصحفيين ثم أردفت تشرح له ما حدث : "كنا نحتضر جميعا، أنا وأبني وزوجته، في الليل شاهدنا جميعا نفس الكابوس، لقد رأينا شبح الخال توما وهو يأتي إلينا ليمتص دمائنا".
كان علاج عائلة مايرلا يتطلب طقوسا معينة وتحركا سريعا، لذلك انطلق بعد عدة أيام في جوف الليل ستة رجال يقودهم جورج زوج مايرلا، خرجوا من البلدة باتجاه المقبرة، كانوا مسلحين بمطارق حديدية وأزاميل وأوتاد خشبية، شقوا طريقهم وسط القبور بحذر حتى توقفوا عند ضريح السيد توما ثم شرعوا بالحفر بسرعة، اخرجوا التابوت ثم انتظروا بقلق دقات الساعة الثانية عشر إيذانا بانتصاف الليل لكي يبدءوا ما خططوا له بدقة لعدة أسابيع، الطقوس القديمة التي توارثوها جيلا بعد أخر. وأخيرا حين حانت اللحظة المناسبة قام الرجال برفع غطاء الكفن والقوا نظرة سريعة على الجثة التي مضى على دفنها عدة أشهر، وليتك كنت هناك عزيزي القارئ لترى ملامح الدهشة والرعب التي ارتسمت على وجوه هؤلاء الرجال الذي وقفوا وسط قبور الموتى فاغرين أفواههم وقد اعتراهم خوف شديد وهم يتطلعون إلى جثة كان من المفروض بأنها في طور التحلل والتفسخ لكنها بدت سليمة كأنها دفنت بالأمس.
"حين رفعنا غطاء الكفن شاهدنا يدي الخال توما مبسوطتان إلى جانبيه في حين كنا متأكدين تماما بأنهما كانتا معقودتان على صدره حين دفناه أول مرة!" قال جورج رافعا حاجبيه وملوحا بيده بتعجب ثم تابع حديثه عما شاهده في تلك الليلة المخيفة قائلا : "رأسه كان قد تنحى جانبا! وكانت هناك بقع يابسة من الدم على ذقنه وشفتيه".
كانت هذه العلامات دليلا مؤكدا على أن بيتري توما قد تحول إلى ما يسميه الرومانيين ستريجوي، وهي المرحلة الأولى لتحول مصاصي الدماء، وخلال هذه المرحلة يتحرك الميت –وأحيانا الحي عن طريق السحر- مثل الشبح ولكنه لا يستطيع الخروج والتجول سوى في الليل فقط وعادة ما يبدأ بمهاجمة ومص دماء أقاربه ويستمر على هذا النهج حتى يتحول إلى المرحلة الثانية التي يصبح خلالها مصاص دماء كامل القوى يستطيع التحرك خلال النهار ويستطيع حتى أن يعيش بين الناس كشخص عادي ويتزوج وتكون له ذرية من دون أن يشعر به احد. وقد تعلم القرويين الرومانيين عن أجدادهم بأنهم يجب أن ينتزعوا قلب الستريجوي بأسرع وقت قبل أن يتحول إلى مصاص دماء خارق القوى لا يمكن القضاء عليه وحينها سيكون بإمكانه إبادة قرى بأكملها. لذلك فقد سارع جورج ورفاقه إلى شق صدر جثة السيد توما بواسطة مذراة ثم انتزعوا القلب من مكانه.
القضاء على مصاص الدماء
القضاء على مصاص الدماء
"لم يكن الدم في قلبه متخثرا ولا فاسدا بل كان طازجا يتدفق منه بغزارة كأنه قلب إنسان حي" قال جورج ثم تابع كلامه حول ما حدث بعد ذلك : "حين انتزعنا القلب لاحظنا بأن جسده بدء يسترخي ونأت عنه تنهيدة!". وبعد أن انتزعوا القلب ووضعوه على رأس المذراة قاموا بغرس وتد خشبي في الجثة ونثروا قليلا من الثوم حولها ثم أعادوها إلى القبر وسارعوا بمغادرة المكان.
كانت مايرلا تنتظر عودة زوجها جورج عند طريق قديمة بالقرب من المقبرة وقد قامت بمساعدة ابنها وزوجته بإيقاد النار اللازمة لإكمال الطقوس، وما أن وصل الرجال حتى وضعوا القلب داخل النار وجلسوا جميعا ينتظرون احتراقه وتحوله إلى رماد. جورج وصف ما حدث بعد ذلك قائلا : "بعد أن تفحم القلب مزجنا رماده مع الماء وشربنا منه، وعلى الفور استعدنا عافيتنا جميعا، لقد بدا الأمر كما لو أن شخصا ما رفع عنا مرة واحدة جميع الألم والمرض الذي كنا نشعر به". لم يكن جورج يشعر بالذنب لما قام به بل بالعكس كان اعتقاده راسخا بأنه فعل الصواب : "لو لم نفعل شيئا لكانت زوجتي وابني وزوجته الآن في عداد الأموات، لقد رأيت حوادث مشابهة في السابق" قال جورج ثم تابع كلامه مدافعا عما اقترفه : "لقد قمنا بطقوس عمرها مئات السنين، لا نعتقد بأننا اقترفنا جرما. على العكس، نعتقد بأننا أقدمنا على عمل جيد لأن روح بتري توما كانت تطاردنا جميعا وكانت على وشك أن تقتل بعضنا، لقد عاد من بين الموتى وكان يلاحقنا!".
تحقيقات الشرطة حول القضية كشفت بأن طقوس مصاصي الدماء أجريت لأكثر من عشرين مرة في البلدة خلال السنوات القليلة المنصرمة. ربما كان الأمر عجيبا ومثيرا للاشمئزاز عند معظم الناس أما هنا في هذه البلدة النائية من الريف الروماني فالسكان يعتقدون بأن الأمر عادي جدا ولا يستحق كل هذه الضجة التي أثيرت حوله، وقال معظمهم أن الرجال الستة فعلوا ما كان يتوجب عليهم القيام به لدرء الخطر عن أنفسهم وعن عائلاتهم. أما السلطات في المقاطعة فقد كان لها رأي أخر إذ إن القضاء حكم على كل من الرجال الستة بالسجن ستة أشهر لكن مع إيقاف التنفيذ.
باولو ديكانو، احد سكان البلدة علق على القضية قائلا :"حسنا فعلوا بأن انتزعوا قلبه لأن الناس كانوا في خطر، القرويون الرومان يعرفون كيف يقيمون الطقوس التي تطرد أرواح الموتى الشريرة".
شخص أخر من البلدة يدعى دميتريو تحدث عن تجربته الشخصية مع مصاصي الدماء قائلا : "احد أعمامي مات عام 1992 وبعد عدة أيام على دفنه أصبحت مريضا بشدة. الأطباء لم يستطيعوا تشخيص مرضي ولم يعرفوا ما خطبي. بعد عدة أيام، دخلت عمتي إلى غرفتي تحمل كأسا من ماء وطلبت مني أن اشربه، فقمت بشربه حتى أخر قطرة، وعلى الفور استعدت عافيتي وتخلصت من المرض. وقد علمت لاحقا بأن الماء الذي شربته كان يحتوي على رماد قلب عمي الميت!". شخص أخر يدعى دومينكا علق على كلام صديقه قائلا : "لقد كان هناك عشرات الموتى الذين تحولوا إلى مصاصي دماء وكانوا يطاردونا، وفي العادة تقوم عائلة الميت الذي تحول إلى مصاص دماء بعقد اتفاق مع ضحاياه توافق بموجبه على انتزاع قلب قريبها وعلى عدم التحدث عن ذلك. ولم يسبق ان سجلت أي شكوى ضد الطقوس قبل قضية بيتري توما ". وكلام دومينكا هذا يتفق مع ما ذكره احد رجال الشرطة الذي طلب عدم ذكر اسمه وقال بأنهم، أي الشرطة، يعلمون عن إجراء هذه الطقوس منذ عقود طويلة ولكنهم لم يستطيعوا عمل أي شيء حيالها لأن أي شخص لم يشتكي منها سابقا.
مستمره